الاثنين، 30 ديسمبر 2013


تمهيد لعلم المقامات

في البداية سنشرح للذين يتوجسون ريبة من المقامات والنغمات، ويعتقدون بأنها جاءت من أهل الغناء واللهو , وهذا ليس صحيحاً ...

الحقيقة أن المقامات، هي نغمات لحنية، إشتهرت عند أهل الأمصار والأصقاع الإسلامية, فاشتهر كل مِصْرٍ وقطْرِ بنغمته المشهورة، وصارت تُعرف بهم ، أقدّم مثالاً لذلك، مثلاً ( مقام الحجاز )، إشتهر هذا المقام عند أهل الحجاز، وهذه هي نغمتهم المعروفة عند قراءتهم للقرآن الكريم .
مثال آخر، نغمة البيات اشتهرت في العراق، وعرفت بالبيات لأنها قُرأت أو ابتُكرت من قبل قبيلة معروفة هناك، وهي قبيلة البياتي، حيث اشتُهرت بها، ولازالت هذه القبيلة موجودة إلى الآن ، وتفتخر بانتساب هذا المقام إليها .
وكمثال آخر هناك مقام أسمه النهاوند: وهذا المقام ينسب إلى بلدة تسمى ( نهاوند) وهي مدينة في إيران.
نستنتج من هذه الأمثلة، بأن المقامات والنغمات اشتُهرت أو عُرفت نسبة إلى بعض الدول أو المدن أو القبائل، حيث كان الطابع الأغلب لألحانهم على تلك المقامات، فيقرؤون القرآن حسب نغماتهم المشهورة عندهم .

تنبيه :

قبل أن نبدأ لابد من الإشارة، وهو أن هذه المقامات لابد أن توظف في مكانها المناسب، فلايصح أن نلحن انشودة رثاء بمقام الرست مثلا، أو مقام السيكاه، والمقام المناسب للأناشيد هو مقام الصبا، وسنشرح مع كل مقام مناسبته ومعناه.

ملاحظة أخيرة، لابد أن نركز عليها : وهي الإستماع الى أساتذة هذا الفن، والدروس التي تهتم بهذه المقامات .

يمكن لمن يطلب هذا العلم أن يسلك طريقين لتحصيله، الطريق الأول هو الطريق النظري، وهو يعتني بتبين النوتات الموسيقية على ورق الموسيقا, وفك طلاسمها, من صعود ونزول, وقرار وجواب, وحركات وسكنات, وعوائل وأجناس, وأصول وفروع الخ... وعندما يحصل الطالب هذه المطالب, يبتدئ بالتطبيق على الآلات الموسيقية (في أغلب الأحيان)، أو بواسطة الصوت من خلال الغناء، وهذا مايوقع الطالب في إشكال شرعي, لحرمة استخدام الآلات الموسيقية، وحرمة الغناء، لذا فالكثير من طلاب هذا العلم يسلكون الطريق الثاني.

أما الطريق الثاني، الذي ينمي في الطالب الأذن الموسيقية، بدفعه للإستماع المكرر إلى مقرئ يمتلك طبقة صوت متقاربة لطبقة صوت الطالب، فأصوات الناس مختلفة، بعضهم يمتلك صوتا رفيعا, وبعضهم يمتلك صوتا متينا فخما.

وعلى الطالب أن يعلم أولا، ماهو النوع الذي يتلائم وصوته وما حده، فهل صوته أقرب إلى القرار؟ أو الجواب؟ أو جواب الجواب؟ وهل يستطيع أن يقرأ بالقرار, ويصعد إلى الجواب, ومن ثم إلى جواب الجواب, أم أن صوته محدود، فلا يقدر إلا على القرار والجواب، لذلك عليه أن يكتشف خاصية صوته قبل أن يشرع بالتدريب, حتى لا يحمل صوته ما لا طاقة له, فيجرحه ويشوهه.

وبعد أن يجد الطالب مقرئا يناسب صوته, يجب أن يستمع إلى ترتيله أولاً, ويدمن الإستماع إليه, حتى يتمكن من تقليده في الترتيل، بعدها يبتدئ الإستماع إلى تحقيق (تجويد) مقرئه، وبعد أن تترسخ قراءات التحقيق في ذهن الطالب، يتدخل المعلم، ويعطي الطالب آيات لذاك المقرئ، مقروءة بمقام البيات مثلا، وعلى الطالب أن يحاول جاهداً، تقليد المقرئ بطرق شتي، حتى يتقن مقام البيات، بقراره وجوابه وفروعه، ومن ثم ينتقل إلى مقام آخر, كالرست، ويعيد الكرة حتى يتقنه، ومن ثم السيكا, وبعده الصبا, وبعده العجم, وبعده النهاوند, وأخيرا الحجاز.

وعلى الطالب أيضاً أن يسجل قراءته بين الحين والآخر ويستمع إليها, حتى يعلم إن كان هناك تقدم في أدائه, أو إن كانت هناك ملاحظات، تستوجب المبادرة إلى رفعها وتجنبها في القراءة مستقبلاً، ولا يجب على الطالب أن يتبع هذا الترتيب بالذات، بمعنى الإعتماد كلياً على هذا النمط من التعلّم، بل يجب عليه أن يتبع أذنه، فإن استساغت أذنه مقام النهاوند وأحبته وعشقته, فعليه حينئدِ أن يبدأ به أولا، وهكذا حتى ينهي المقامات السبعة، عندها؛ إذا استمع الطالب إلى آية من مقرئه, فسيعرف في الحال على أي مقام قُرأت، وهذه المرحلة من التدريب تأخذ وقتا طويلا, قد يعد بالسنوات، وبعد اجتياز هذه المرحلة, ستتكون لدى الطالب نظرة أكثر وضوحا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق